خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو 2019 للدكتور خالد بدير : مفهوم عهد الأمان
خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو 2019 للدكتور خالد بدير : مفهوم عهد الأمان في العصر الحاضر وأثره في استقرار المجتمع بتاريخ : 17 شوال 1440هـ – 21 يونيو 2019م
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو 2019 للدكتور خالد بدير : مفهوم عهد الأمان في العصر الحاضر وأثره في استقرار المجتمع وعناصرها:
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو 2019 للدكتور خالد بدير : بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو 2019 للدكتور خالد بدير : بصيغة pdf أضغط هنا.
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد عن مسابقات الأوقاف
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو 2019 للدكتور خالد بدير : كما يلي:
عناصر خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو 2019 ، 17 شوال 1440 :
العنصر الأول: الوفاء بالعهد بين الجاهلية والإسلام
العنصر الثاني: صور مشرقة لعهد الأمان في عصر الرسول والصحابة الكرام
العنصر الثالث: الالتزام بعهد الأمان في العصر الحاضر وأثره في استقرار المجتمع
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: الوفاء بالعهد بين الجاهلية والإسلام
عباد الله: نقف اليوم مع خُلُق ضاع بين المسلمين إلا مَن رَحِمَ الله؛ ألا وهو خُلق الوفاء بالعهد.
والوفاء بالعهد هو قيام المسلم بما التزم به من عهد ووعد؛ سواء كان قولاً أم كتابة، فإذا أبرم المسلم عقداً أو أعطى عهداً فيجب أن يحترمه ويلتزم به؛ فالعهد لا بد من الوفاء به، كما أن اليمين لا بد من البر بها، ومناط الوفاء والبر أن يتعلق الأمر بالحق والخير، وإلا فلا عهد في عصيان، ولا يمين في مأثم، فلا عهد إلا بمعروف.
والوفاء بالعهد من صفات الأنبياء والمرسلين؛ قال تعالى عن إسماعيل – عليه السلام -:{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } [مريم: 54]، وقال في إبراهيم – عليه السلام -: { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } [النجم: 37]. يقول الإمام الطبري : ” وفَّى جميعَ شرائع الإسلام، وجميعَ ما أُمر به من الطاعة.”أ.ه. نعم، وفَّى حين ابتلاه الله بكلمات من الأمر الإلهي فأتمهنَّ، وفَّى حين قدَّم ولده إسماعيل قربانًا تنفيذًا لأمر الله، وفَّى حينما ألقي في النار فصبر ابتغاء مرضاة الله .
وقد كان صلى الله عليه وسلم أوفى الأوفياء بالعهود؛ فها هو يأمر عليَّ بن أبي طالب أن يَبِيت في فراشه ليلةَ الهجرة ليرُدَّ الأمانات إلى أهلها، أوَلَيس هو القائل: ” أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك، ولا تَخُن مَن خانك”؟!( أبو داود والترمذي وحسنه).
فقد ضربَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ في الوفاءِ من المثالِ أجملَه، ومن النصيبِ أكملَه، ومن ردِّ الجميلِ أحسنَه وأعدلَه؛ ودلائل وفاء محمد صلى الله عليه وسلم لا تنتهي عند المواقف والأحداث التي كان يفي فيها بما التزمه، فقد شهد له أعداؤه بأنه يفي بالعهود ولا يغدر، فحين لقي هرقل أبا سفيان، وكان أبو سفيان على عداوته لمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ سأل هرقل أبا سفيان عن محمد صلى الله عليه وسلم عدداً من الأسئلة، كان مما سأله فيه قوله: فهل يغدر؟. قال لا !!
وعلى خلق الوفاء سار الصحابة رضي الله عنهم؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قُبِض قال أبو بكر للصحابة: “من كان له عِدَةٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دَينٌ فليأتِني”. قال جابرٌ: فأتيتُه فقلتُ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: “لو قد جاء مالُ البحرَين أعطيتُك هكذا وهكذا وهكذا”. فلم يجِئ مالُ البحرَيْن حتى قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فحثَا لي أبو بكر من مال البحرَيْن لما جاءه حثيةً فعدَدتُها، فإذا هي خمسمائة، فقال لي: “خُذ مثلَيْها” (متفق عليه).
أيها المسلمون:
إن العرب في الجاهلية كانوا يتحلون بشرف الالتزام بالكلمة والوفاء بالعهد؛ حتى ولو فيه رقابهم!! وما أكثر القصص التي تدل على هذه المكرمة في نفوس الجاهليين، وفي لقاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مع عمرو بن معدي كرب رضي الله عنهما عظة وعبرة، قال عمرو: سأحدثك يا أمير المؤمنين عن أحيل رجل لقيته، وعن أشجع رجل، وعن أجبن رجل.” كنت – في الجاهلية – في الصحراء، أركض فرسي، علني أجد رجلاً أقتله، إذا أنا بسواد بعيد، فركضت فرسي إليه فرأيت فرساً مربوطاً، وصاحبه في الخلاء، فصحت فيه: خذ حذرك فإنني قاتلك، ثم نهض متقدماً نحوي، فقال: من أنت؟ قلت عمرو بن معدي كرب، قال: أبا ثور، ما أنصفتني؛ أنت راكب وأنا راجل، قال:
أنت آمن حتى تركب، فلما وصل إلى فرسه جلس واحتبى، قلت: خذ حذرك فإنني قاتلك، قال: ألم تقل لي: إنك آمن حتى تركب؟ قال: بلى، قال: فلست براكب، فانصرفت عنه، فهذا أحيل رجل يا أمير المؤمنين.”( أيام العرب في الجاهلية لأحمد جاد المولى ورفاقه.)؛ فانظر إلى حيلة الرجل علم أن عمرو بن معدي كرب أعطاه عهداً بأنه لن يقتله مادام راجلاً لم يركب؛ فاحتبى الرجل ورفض الركوب ؛ ووفَّى عمرو بعهده وتركه!!!
ولقد ضرب عوف بن النعمان الشيباني أروع الأمثلة في الوفاء بالوعد حيث قال في الجاهلية الجهلاء: ” لأن أموت عطشًا، أحبُّ إليَّ من أكون مخلاف الموعدة ” . (الأمثال لأبي عبيد بن سلام) .
أحبتي في الله: الوفاءُ بالعهد.. كلمةُ حبٍّ وصفاءِ .. في حروفِها الإخلاصُ والنَّقاءُ .. أجمعَ على تقديرِها العُقلاءُ .. وإذا كانَ قد وُجدَ مثلَ هذا الوفاءِ في الجاهليِّةِ الظَّلماءِ .. فكيفَ إذاً الحالُ بعدَ نزولِ شَريعةِ السَّماءِ .. ولذلكَ لن تجدَ بعدَ ذلك من يقولُ أوفى من محمدٍ سيِّدِ الأنبياءِ .. عليه الصَّلاةُ والسلامُ عددَ نجومِ السَّماءِ .. وعددَ قطرِ الماءِ .. خاتمِ المرسلينَ وإمامِ الأتقياءِ .
عباد الله: الزموا الوفاء بالعهود والعقود؛ وإياكم ونقض العهد وخلف الوعد؛ فقد جعل الله ناقض العهد بمنزلة الحيوانات فقال: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ} [الأنفال: 55 ؛ 56]. قال الشيخ السعدي :” إن هؤلاء الذين جمعوا هذه الخصال الثلاث: الكفر، وعدم الإيمان، والخيانة، بحيث لا يثبتون على عهد عاهدوه ولا قول قالوه هم شر الدواب عند الله؛ فهم شر من الحمير والكلاب وغيرها ” .
العنصر الثاني: صور مشرقة لعهد الأمان في عصر الرسول والصحابة الكرام
عباد الله: لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش مع أطياف أخرى غير مسلمين سواء في مكة أم في المدينة ؛ وحتى يعيش الجميع على أرض واحدة في أمن وأمان وسلام لابد من إبرام عقود الأمان والمعاهدات بين المسلمين وغير المسلمين ؛ فقد أوصانا الإسلام برعاية حقوق غير المسلمين المقيمين في ديار الإسلام، مع حفظ حقوقهم كاملة، وفي مقدمتها الأمان لهم، وحرم الإسلامُ الاعتداء على أعراضهم وممتلكاتهم، وأماكن عبادتهم ؛ وقد أمرنا الله عز وجل بالبر والإحسان مع المعاهدين فقال الله تعالى:
{ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة: 8) قال ابن جرير:” عُنى بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين من جميع أصناف الملل والأديان، أن تبرُّوهم وتصلوهم وتُقسطوا إليهم؛ لأن بِرَّ المؤمنِ من أهل الحرب ممن بينه قرابةُ نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غيرُ مُحَرَّم ولا منهىٍّ عنه، إذا لم يكن فى ذلك دلالةٌ له أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام، أو تقويةٌ لهم بكُراع أو سلاح، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) يقول: إن الله يحب المنصفين الذين ينصفون الناس، ويعطونهم الحقَّ والعدل من أنفسهم، فيبَرُّون من بَرَّهم، ويحسنون إلى من أحسن إليهم” أ. ه
إن الإسلام حثنا على الأخلاق العالية والبر والإحسان مع غير المسلمين حتى في الحروب والغزوات!! ففي الحرب التي تأكل الأخضر واليابس وتزهق فيها الأرواح وتدمر المدن والقرى ويموت الصغير والكبير؛ أمر الإسلام بالسماحة واحترام العهود .
فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ” كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا”؛ فلا يجوز أن يُقصد بالقتال مَن ليسوا بأهل له، كالنِّساء والأطفال والشُّيوخ، والزَّمنى والعُمي والعَجَزة، والذين لا يُباشرونه عادةً كالرُّهبان والفلاَّحين، إلاَّ إذا اشترك هؤلاء في القِتال وبدؤوا هم بالاعتداء، فعندها يجوز قتالُهم.
وهذا أبو بكر – رضي الله عنه – لَمَّا بعث يزيد بن أبي سفيان إلى الشام على ربع من الأرباع، خرج – رضي الله عنه – معه يُوصيه، ويزيد راكب وأبو بكر يَمشي. فقال يزيد: يا خليفةَ رسول الله، إمَّا أن تركب وإمَّا أن أنزل. فقال: “ما أنت بنازلٍ، وما أنا براكب، إنِّي أحتسب خُطاي هذه في سبيل الله. يا يزيد:
إنَّكم ستَقدمون بلادًا تُؤتَوْن فيها بأصناف من الطعام، فسمُّوا الله على أوَّلِها، واحمدوه على آخرها. وإنَّكم ستجدون أقوامًا قد حبسوا أنفسَهم في هذه الصوامع، فاتركوهم وما حبسوا له أنفسهم، وستجدون أقوامًا قد اتَّخذ الشيطان على رؤوسهم مقاعدَ؛ يعني: الشمامسة، فاضربوا تلك الأعناق، ولا تَقتلوا كبيرًا هَرمًا، ولا امرأة، ولا وليدًا. ولا تُخرِّبوا عمرانًا، ولا تقطعوا شجرة، إلاَّ لنفع، ولا تعقرنَّ بهيمةً إلاَّ لنفع، ولا تُحرِّقنَّ نخلًا، ولا تُغرقنَّه، ولا تَغدِر، ولا تُمثِّل، ولا تجبن، ولا تغلل، ولينصرن الله مَن ينصره ورسلَه بالغيب، إنَّ الله قويٌّ عزيز”[البيهقي في الكبرى] ؛ هذه السماحة في حال الحرب فما بالك في حال السلم؟!!
كما تظهر الأخلاق في معاملة الأسرى؛ وعدم قتل الأسير والمقيد والمربوط ؛ فقد تمثلت بتوجيهات نبي الرحمة الذي نهى عن قتل الأسير بعد ربطه ولا حتى إيذائه وهو مربوط ، فقد قال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه : سمعت رسول الله ينهى عن قتل الصُّبْر ” فوالذي نفسي بيده لو كانت دجاجة ما صبرتُها” ( أبو داود والبيهقي)، وقال : يوم فتح مكة ” لا تجهزن على جريح ولا يُتبعنّ مُدبر ولا يقتل أسير ، ومن أغلق بابه فهو آمن ” .
كما أمر سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعناية بالأسرى فيداوى جرحاهم، ويؤمن لهم الطعام والشراب والكساء، يقول: أبو عزيز بن عمير :”كنتُ في الأسرَى يومَ بدرٍ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:” استوصوا بالأسارَى خيرًا؛ وكنتُ في نفرٍ من الأنصارِ فكانوا إذا قدموا غداءَهم وعشاءَهم أكلوا التمرَ وأطعموني البرَّ لوصيةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم”( مجمع الزوائد)؛ وكان صلى الله عليه وسلم يقول:
“أكرموهم وأدفئوهم”، وكان يأتي ويجلس مع الأسرى ويأكل معهم ويؤانسهم ويتفقد أحوالهم ؛ لقد حاول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيش هو والمسلمون في جوٍّ هادئ مسالم مع من يجاورونهم من القبائل والبطون، ولم يَسْعَ لقتال قط، بل كان دائمًا مؤْثِرًا السلم على الحرب، والوفاق على الشقاق.
هذه أخلاق سيد البشر وصحابته في جهادهم فشتان بين من كان خلقه القرآن؛ ومن كانت غاياته مليئة بالحقد والكراهية يتلذذ بالقتل والحرق والتدمير والتفجير والإهانة !!
أيها المسلمون: إن الإسلام اهتم بخلق الجوار والأمان أيما اهتمام؛ فإذا أجار أحد من المسلمين مشركا فى دار الإسلام فيجب معاونته على ذلك ويحرم خفر ذمته، ففى الصحيحين عن أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ ، تَقُولُ “: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الفَتْحِ ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ ، قَالَتْ : فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : مَنْ هَذِهِ ، فَقُلْتُ : أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ : مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ ، فُلاَنَ ابْنَ هُبَيْرَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ : وَذَاكَ ضُحًى “. وروى أبوداود عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ عن أبِيهِ عن جَدّهِ قال صلى الله عليه وسلم: “المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمّتِهِمْ أدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدّ مُشِدّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرّيهمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلاَ ذُو عَهْدٍ فى عَهْدِهِ.”
أيها المسلمون: هذه أخلاق الإسلام في حال الحرب مع الأعداء فما بالك في حال السلم؟!!
أترك الشهادة للغربيين المنصفين وتصويرهم لهذه الأخلاق والتي تعاملوا من خلالها مع المسلمين والنصارى في الدول الغربية. يقول غوستاف لوبون في ” مجلة التمدن الإسلامي:
” إن المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وبين روح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى وإنهم مع حملهم السيف فقد تركوا الناس أحرارا في تمسكهم بدينهم ؛ وكل ما جاء في الإسلام يرمي إلى الصلاح والإصلاح ، والصلاح أنشودة المؤمن ، وهو الذي أدعو إليه المسيحيين” .
ويقول العلامة الكونت هنري دي كاستري : “درست تاريخ النصارى في بلاد الإسلام ، فخرجت بحقيقة مشرقة هي أن معاملة المسلمين للنصارى تدل على لطف في المعاشرة ، وهذا إحساس لم يُؤثر عن غير المسلمين .. فلا نعرف في الإسلام مجامع دينية ، ولا أحباراً يحترفون السير وراء الجيوش الغازية لإكراه الشعوب على الإيمان”.
ويقول توماس أرنولد في كتابه الدعوة الإسلامية : ” لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة ، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة ، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار وإرادة وأن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات المسلمين لشاهد على هذا التسامح ” ؛ أبعد كل هذا – والحق ما شهدت به الأعداء – يأتي حاسد حاقد على الإسلام ليقول: إن الإسلام دين تطرف وعنف وإرهاب؟!!
العنصر الثالث: الالتزام بعهد الأمان في العصر الحاضر وأثره في استقرار المجتمع
عباد الله: إن عهد الأمان في العصر الحاضر يمتد ليشمل كل العهود والعقود والالتزامات المبرمة بين المسلمين وبين غير المسلمين في الداخل والخارج على السواء ؛ امتثالاً لقول الله – تبارك وتعالى -: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 34]. ومن أوجب ذلك وألزمه حق وحرمة كل من دخل بلادنا سائحًا أو زائرًا أو مقيمًا ، فبمجرد حصوله على تصريح الإقامة ، أو تأشيرة ، أو إذن الدخول حقيقة بختم وثيقته أو حكما بموجب الأعراف والمواثيق والاتفاقيات الدولية في التعامل مع الدبلوماسيين ومن في حكمهم ، أو بموجب الاتفاقيات الثنائية بين الدول ، بأي طريق من الطرق المقرة المعتبرة قانونا المعترف والمعمول بها لدى الدولة المضيفة وفق قوانينها المنظمة ، فقد صار من واجبنا جميعا متعاونين ومتضامنين حفظ ماله وعرضه ودمه وخصوصيته وإبلاغه مأمنه.
بل صار من واجبنا إكرامه وحسن استقباله ليرى منا ما نحب أن يتصوره عن ديننا وحضارتنا بل عمق وعظيم حضارتنا السمحة وإنسانيتنا الراقية ، وبما يسهم في تكوين الصورة الذهنية التي نريدها لديننا ووطننا ومجتمعنا ، ومن خالف ذلك فواجبنا ينحصر في إبلاغ ما يتضح من مخالفته لأجهزة الدولة المعنية ، دون المساس بحرمته أو خصوصيته على أية حال ، وهذا هو حال الأمم والشعوب الراقية المتحضرة .
أحبتي في الله:
إنه يجب علينا أن نحترم العهود والمواثيق المحلية والدولية مع غير المسلمين داخل مصر وخارجها؛ وبموجب ذلك يحرم الاعتداء على أي نفس بشرية مهما اختلفت ديانتها أو لونها أو جنسها أو عرقها أو لغتها ما دامت مسالمة ؛ لأن الاعتداء عليها مع عهد الأمان جريمة تنكرها جميع الشرائع والدساتير الشرعية والوضعية والعرفية والقوانين الدولية؛ وقد جاءت النصوص – قرآنا وسنة – بالنهي عن قتل النفس بغير حق مطلقا، فيدخل في ذلك النفس المؤمنة والنفوس الكافرة ممن لهم عهد أو أمان أو ذمة، ومن ذلك قوله تعالى:{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } [الأنعام:151]، ثم قال تعالى في آخر الآية:
{ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } قال الشيخ السعدي رحمه الله: « وهذا شامل لكل نفس حرم الله قتلها، من صغير وكبير، وذكر وأنثى، وحر وعبد، ومسلم وكافر له عهد: إلا بالحق ».
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التعرض للمعاهدين والمستأمنين من المشركين وأهل الذمة بأذى؛ وما ذاك إلا تعظيما لحرمة الدماء وصونا للعهد، وتشديدا على من يتساهل فيها، ولو كانت الدماء لغير المسلمين، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:” مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ” [البخاري]، وعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا فِي غَيْرِ كُنْهِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » [ أبو داود]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ؛ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » [ أبو داود].
وقد تبرأ الرسول صلى الله عليه وسلم ممن فعل ذلك؛ فعن عمرو بن الحَمَق رضي الله عنه عن النبي قال «من أمن رجلاً على دمه فقتله؛ فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرًا» (أخرجه البخاري في تاريخه، والبيهقي في السنن الصغرى).
أيها المسلمون :
وهكذا شدد الإسلام على حرمة الدماء عامة ومنها دماء غير المسلمين؛ فهم شركاء في الوطن ولهم حقوقهم الوطنية كاملة ؛ كما عليهم واجباتهم الوطنية كاملة؛ فلا يجوز التعدي عليهم أو الغدر بهم بأي حال من الأحوال !!
فيا أهلَ الإسلامِ .. دينُّكم دينُ الوفاءِ .. ونبيُّكم أوفى الأتقياءِ .. فتمسكوا بدينِكم واقتدوا بنبيِّكم .. وكونوا مضربَ مثلٍ لسائرِ الأممِ والأديانِ في الوفاءِ .. فإن كثيراً منهم قد فَقَدَ الوفاءَ في الأحبابِ .. ولم يجده إلا عندَ الكلابِ.
أحبتي في الله: إن الوفاء بعهد الأمان خُلق الكرام، به يسعد الفرد في الدنيا والآخرة؛ وبه يعيش المجتمع في أمن وأمان؛ فالحقوق والأموال محفوظة؛ والأعراض مصونة؛ والدماء محقونة؛ والأمن والحب والتراحم يسود بين أفراد المجتمع؛ وبه ينال المسلم رضا ربه ويهنأ بدخول جنته ..
نسأل الله أن يجعلنا من الأوفياء الأتقياء ؛ وأن يحفظ مصرنا وبلادنا من كل مكروه وسوء ؛؛؛
الدعاء،،،،، وأقم الصلاة،،،،،
كتب خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع